للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدَعْ هذا القلبَ المفتونَ بجدله وجهله، واعلم أنَّ الإصرارَ على المعصية يُوجِب من خوف القلب من غير الله، ورجائه لغير الله، وحبِّه لغير الله، وذلِّه لغير الله، وتوكُّله على غير الله= ما يصير به منغمسًا في بحار الشِّرك. والحاكمُ في هذا: ما يعلمه الإنسان من نفسه، إن كان له عقلٌ. فإنَّ ذلَّ المعصية لا بدَّ أن يقومَ بالقلب، فيورثَه خوفًا من غير الله تعالى، وذلك شركٌ؛ ويورثَه محبّةً لغير الله، واستعانةً بغيره في الأسباب التي تُوصِله إلى غرضه، فيكون عملُه لا بالله ولا له، وهذا حقيقة الشِّرك.

نعم، يكون معه توحيدُ أبي جهلٍ وعُبَّادِ الأصنام، وهو توحيد الرُّبوبيّة، وهو الاعترافُ بأنّه لا خالق إلّا الله. ولو أنجى هذا التَّوحيدُ وحده لأنجى عُبَّادَ الأصنام. والشَّأنُ في توحيد الإلهيّة الذي هو الفارقُ بين المشركين والموحِّدين.

والمقصود: أنَّ مَن لم يشرك بالله شيئًا يستحيلُ أن يلقى الله بقُراب الأرض خطايا مصرًّا عليها غيرَ تائبٍ منها، مع كمال توحيده الذي هو غايةُ الحبِّ والخضوع والخوف والرَّجاء للرَّبِّ تعالى.

وأمّا حديث الدّواوين، فإنّما فيه أنَّ حقَّ الرَّبِّ تبارك وتعالى لا يؤوده أن يهَبَه ويُسقطه، ولا يحتفلَ به ويعتنيَ به كحقوق عباده. وليس معناه: أنّه لا يؤاخِذ به البتَّة، أو أنَّه كلَّه صغائرُ، وإنّما معناه أنّه يقع فيه من المسامحة والمساهلة والإسقاط والهبة ما لا يقع مثلُه في حقوق الآدميِّين.

فظهر (١) أنَّه لا حجَّة لهم في شيءٍ ممَّا احتجُّوا به. والله أعلم.


(١) ما عدا ج، م، ع: "وظهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>