قِبل نفسه قد أقرَّه ولم يعبأ به كأرباب البدع كلِّهم المتقوِّلين على أسمائه وصفاته ودينه.
وما ذكرتم في قصّة يونس عليه السلام هو من هذا الباب، فإنّه لم يسامَح بغَضْبةٍ، وسُجِن لأجلها في بطن الحوت. ويكفي حالُ أبي البشر حيث لم يسامَحْ بلقمةٍ وكانت سبَب إخراجه من الجنّة.
والجوابُ: أنَّ هذا أيضًا حقٌّ، ولا تنافي بين الأمرين؛ فإنَّ مَن كملت عليه نعمةُ الله تعالى، واختصَّه منها بما لم يختصَّ به غيرَه، وأعطاه منها ما حرَمَه غيرَه، فحُبِيَ بالإنعام، وخُصَّ بالإكرام، وخُصَّ بمزيد التَّقريب، وجُعِلَ في منزلة الوليِّ الحبيب= اقتضت حالُه من حفظ مرتبة الولاية والقرب والاختصاص بأن يراعي مرتبتَه من أدنى مشوِّشٍ وقاطعٍ. فلشدّة الاعتناء به، ومزيد تقريبه، واتِّخاذه لنفسه، واصطفائه على غيره= تكون حقوقُ وليِّه وسيِّده عليه أتمَّ، ونعمُه عليه أكملَ، والمطلوبُ منه فوقَ المطلوب من غيره. فهو إذا غفَل وأخلَّ بمقتضى مرتبته نُبِّه بما لم يُنبَّه عليه البعيدُ البَرَّانيُّ، مع كونه يسامَحُ بما لم يسامَحْ به ذلك أيضًا، فيجتمع في حقِّه الأمران.
وإذا أردتَ معرفة اجتماعهما وعدَم تناقضهما، فالواقع شاهدٌ به؛ فإنَّ الملك يسامِحُ خاصَّتَه وأولياءَه بما لا يسامِحُ (١) به مَن ليس في منزلتهم، ويؤاخذهم ويؤدِّبُهم بما لم يؤاخذ به غيرَهم. وقد ذكرنا شواهد هذا وهذا، ولا تناقُضَ بين الأمرين.
وأنت إذا كان لك عبدان أو ولدان أو زوجتان، أحدُهما أحبُّ إليك من