للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكون ما لا يشاؤه.

ومن أنواعه: طلبُ الحوائج من الموتى، والاستغاثةُ بهم، والتّوجُّهُ إليهم. وهذا أصلُ شرك العالم، فإنَّ الميِّتَ قد انقطع عملُه، وهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا (١)، فضلًا لمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. وهذا من جهله بالشَّافع والمشفوع عنده، كما تقدَّم، فإنّه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلّا بإذنه. والله لم يجعل استغاثته (٢) وسؤاله سببًا لإذنه، وإنّما السَّببُ لإذنه كمالُ التَّوحيد، فجاء هذا المشركُ بسببٍ يمنع إذنَه (٣)، وهو بمنزلة من استعان في حاجةٍ بما يمنع حصولَها! وهذه حالةُ كلِّ مشركٍ.

والميِّتُ محتاجٌ إلى من يدعو له، ويترحَّم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحَّم عليهم ونسألَ لهم العافية والمغفرة. فعكَس المشركون هذا، وزاروهم زيارةَ العبادةِ واستقضاءِ الحوائج والاستغاثةِ (٤) بهم، وجعلوا قبورَهم أوثانًا تُعْبَد، وسمَّوا قصدَها حجًّا (٥)، واتّخذوا عندها الوقفةَ وحلقَ الرّأس؛ فجمعوا بين الشِّركِ بالمعبود الحقِّ، وتغييرِ دينه، ومعاداةِ أهل التَّوحيد ونسبةِ أهله إلى التّنقُّص بالأموات (٦). وهم


(١) ع: "ضرًّا ولا نفعًا".
(٢) ش، ع: "استعانته".
(٣) ع: "الإذن". وكان مثله في الأصل ثم أصلح.
(٤) ج، م، ش: "الاستعانة".
(٥) لفظ "حجًّا" ساقط من ش.
(٦) كذا بالباء في جميع النسخ، ومثله في "إغاثة اللهفان" (١/ ١٠٣): "التنقُّص بالمشايخ". وفي "بدائع الفوائد" (٤/ ١٥٧٦): "والتنقُّص به".

<<  <  ج: ص:  >  >>