للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديدٌ، فهمُّهم لذلك ثقيلٌ. وسواهم كثيرٌ منهم لا يجاوز إيمانُهم حناجرَهم، وهم يدَّعون أنَّه كإيمان جبريل وميكائيل!

زرعُ النِّفاق ينبُت على ساقيتين: ساقية الكذب، وساقية الرِّياء، ومخرجُهما من عينين: عين ضعف البصيرة، وعين ضعف العزيمة. فإذا تمَّت هذه الأركانُ الأربعُ استحكم بنيانُ النِّفاق (١)، ولكنَّه بمدارج السُّيول على شفا جرُفٍ هارٍ. فإذا سال سيلُ الحقائق وعاينوا يومَ (٢) تُبلى السّرائر، وكُشِفَ المستور، وبُعثر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصُّدور= تبيّن حينئذٍ لمن كانت بضاعتُه النِّفاقَ أنَّ حواصلَه التي حصَّلها كانت كالسَّراب، {بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ} [النور: ٣٩] (٣).


(١) ع: "بنات النفاق وبنيانه".
(٢) ع: "فإذا شاهدوا سيل الحقائق يوم".
(٣) بعده في ع زيادة طويلة نصُّها: قلوبُهم عن الخيرات لاهيةٌ، وأجسادُهم إليها ساعيةٌ، والفاحشةُ في فِجاجهم فاشيةٌ، وإذا سمعوا الحقَّ كانت قلوبُهم عن سماعه قاسيةً، وإذا حضروا الباطلَ وشهدوا الزُّورَ انفتحت أبصارُ قلوبهم، وكانت آذانُهم واعيةً. فهذه والله أماراتُ النِّفاق، فاحذرها أيُّها الرّجلُ قبل أن تنزل بك القاضية.
إذا عاهدوا لم يفُوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دُعوا إلى الطَّاعة وقفوا، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول صدَفوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا.

فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران، فلا تثق بعهودهم، ولا تطمئنَّ إلى وعودهم، فإنّهم فيها كاذبون، وهم لما سواها مخالفون. {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٥ - ٧٧] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>