للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] (١). والنَّبأ هو: الخبر الغائب عن المخبِر إذا كان له شأنٌ. والتَّبيُّن: طلبُ بيان حقيقته والإحاطة بها علمًا.

وهاهنا فائدةٌ لطيفةٌ، وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه وشهادته جملةً، وإنّما أمَرَ (٢) بالتَّبيُّن. فإن قامت قرائنُ وأدلّةٌ من خارجٍ تدلُّ (٣) على صدقه عُمِل بدليل الصِّدق، ولو أخبر به مَن أخبر. فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته. وكثيرٌ من الفاسقين يصدُقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثيرٌ منهم يتحرَّى الصِّدقَ غايةَ التَّحرِّي، وفسقُه من جهاتٍ أُخَر، فمثلُ هذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه. ولو رُدَّتْ شهادةُ مثل هذا وروايته لتعطَّلت أكثَرُ الحقوق، وبطلت كثيرٌ من الأخبار الصَّحيحة، ولاسيَّما مَن فسقُه من جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرٍّ للصِّدق، فهذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه.

وأمّا مَن فسقُه من جهة الكذب، فإن كثُر منه وتكرَّر بحيث يغلب كذبُه على صدقه، فهذا لا يُقبَل خبرُه ولا شهادتُه. وإن ندَر منه مرّةً ومرَّتين، ففي ردِّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد - رحمه الله - (٤).


(١) "تفسير البغوي" (٧/ ٣٣٩). وذكره بهذا اللفظ الثعلبي في "الكشف والبيان" (٩/ ٧٧) والواحدي في "البسيط" (٢٠/ ٣٤٨ - ٣٤٩) وفي "أسباب النزول" (ص ٦١٨ - دار الميمان) ومن تبعهما كالبغوي (٧/ ٣٣٩) وغيره. وقد روي نحوه عن أم سلمة وابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة والحسن وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري" (٢١/ ٣٤٨ - ٣٥٣) و"الدر المنثور" (١٣/ ٥٤٠ - ٥٤٧) و"السلسلة الصحيحة" (٣٠٨٨).
(٢) ش: "المراد".
(٣) "تدل" ساقط من ش.
(٤) انظر: "الروايتين" (٣/ ٩٢٦) و"الكفاية" للخطيب (ص ١٩٠) و"المحرر" للمجد (٢/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>