للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تعدِّي ما أبيح له من زوجته وأمته إلى ما حُرِّم عليه منها كوطئها في حيضها أو نفاسها أو في إحرام أحدهما أو صيامه الواجب.

وكذلك كلُّ ما أبيح له منه قدرٌ معيّنٌ، فتعدَّاه إلى أكثر منه، فهو من العدوان، كمن أبيح له إساغةُ الغصَّة بجُرعةٍ من خمرٍ، فتناول الكأسَ كلَّها؛ أو أبيح له نظرةُ الخِطْبة والسَّوم والشَّهادة والمعاملة والمداواة، فأطلقَ عنانَ طرفه في ميادين محاسن المنظور، وأسامَ طرفَ ناظره في تلك الرِّياض والزُّهور، فتعدَّى المباحَ إلى القدر المحظور، وحام حولَ الحِمى المحوَّط المحجور، فصار ذا بصرٍ حائرٍ (١)، وقلبٍ عن مكانه طائرٍ. أرسل طرفَه رائدًا يأتيه بالخبر، فخامَر عليه (٢) وأقام، فبعث القلبَ في آثاره، فلم يشعر إلّا وهو أسيرٌ يحجُل في قيوده بين تلك الخيام؛ فما أقلعت لحظاتُ ناظره حتَّى تشحَّط بينهنَّ قتيلًا، وما برحت (٣) تَنُوشه سيوفُ تلك الجفون حتّى جدَّلَتْه تجديلًا.

هذا خطرُ العدوان، وما أمامَه أعظَمُ وأخطَرُ (٤). وهذا فوتُ الحرمان، وما حُرِمَه من ثواب مَن غضَّ طرفَه لله أجلُّ وأكبر. سافَرَ الطَّرفُ في مفاوز


(١) كذا في م بعلامة إهمال الحاء تحتها وفي ش. وفي غيرهما: "جائر". وفي خطبة ابن نباتة المشهورة: "فأصبح ذا بصر حائر وقلب طائر". انظر "ديوان خطبه" (ص ٩٥)، و"التذكرة الحمدونية" (٦/ ٢٩٥).
(٢) يعني: خدعه وخانه.
(٣) ما عدا ع: "بردت"، فإن صحَّ فمعناه هنا: سكنت وفترت. وغيِّر في م إلى ما أثبت وهو أشبه.
(٤) ع: "أخطر" مع علامة إهمال الحاء، ولعله تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>