للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقولُ الأَوّلُ أصحُّ لعشرة أوجهٍ ليس هذا موضعَ ذكرها، إذ الآيةُ لا تعرُّضَ فيها للسَّفَر بنفيٍ ولا إثباتٍ، ولا للخروج على الإمام، ولا هي مختصّةٌ بذلك، ولا سيقت له. وهي عامَّةٌ في حقِّ المقيم والمسافر، والبغيُ والعدوانُ فيها يرجعان إلى الأكل المقصود بيانُه، لا إلى أمرٍ خارجٍ عنه لا تعلُّقَ له بالأكل؛ ولأنّ (١) نظير هذا قوله في الآية الأخرى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: ٣]، فهذا هو الباغي العادي. والمتجانفُ للإثم: المائلُ إلى القدر الحرام من أكلها. وهذا هو الشَّرط الذي لا تباح (٢) له بدونه؛ ولأنَّها إنّما أبيحت للضَّرورة، فتقدَّرت الإباحةُ بقدرها، وأعلَمَهم أنَّ الزِّيادةَ عليها بغيٌ وعدوانٌ وإثمٌ، فلا تكون الإباحةُ للضَّرورة سببًا لحلِّه. والله أعلم.

والإثمُ والعدوانُ هما الإثمُ والبغيُ المذكوران في سورة الأعراف (٣)، مع أنّ البغيَ غالبُ استعماله في حقوق العباد والاستطالة عليهم. وعلى هذا فإذا قُرن (٤) بالعدوان كان البغيُ ظلمَهم بمحرَّم الجنس كالسَّرقة والكذب والبهت والابتداء بالأذى، والعدوانُ تعدِّيَ الحقِّ في استيفائه إلى أكثر (٥) منه،


(١) "لأن" ساقط من ج، ش، وضرب عليه في م.
(٢) ج، ش: "يباح" يعني الأكل. ولم ينقط حرف المضارع في غيرهما.
(٣) في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الآية [٣٣].
(٤) ش: "اقترن".
(٥) ش، ع: "أكبر"، ولم يعجم في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>