للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظهور عدله وفضله، وعزَّته وانتقامه، وعفوه ومغفرته، وصفحه وحلمه، وظهور من يعبده ويحبُّه ويقوم بمراضيه بين أعدائه في دار الابتلاء والامتحان.

فلو قُدِّر أنَّ آدم لم يأكل من الشجرة ولم يخرج من الجنَّة هو ولا أولاده لم يكن شيءٌ من ذلك، ولا ظهر من القوَّة إلى الفعل ما كان كامنًا في قلب إبليس يعلمه الله ولا تعلمه الملائكة، ولم يتميَّز خبيث الخلق من طيِّبه، ولم تتمّ المملكة حيث لم يكن هناك إكرامٌ وثواب، وعقوبة وإهانة، ودارُ سعادةٍ وفضلٍ، ودار شقاوةٍ وعدلٍ.

وكم في تسليط أوليائه على أعدائه، وتسليط أعدائه على أوليائه، والجمع بينهما في دارٍ واحدةٍ، وابتلاء بعضهم ببعضٍ= من حكمةٍ بالغةٍ، ونعمةٍ سابغةٍ!

وكم في طَيِّها من حصول محبوبٍ للرّبِّ، وحمدٍ له من أهل سماواته وأرضه، وخضوعٍ له وتذلُّلٍ، وتعبُّدٍ وخشيةٍ وافتقارٍ إليه، وانكسارٍ بين يديه أن لا يجعلهم من أعدائه، إذ هم يشاهدونهم ويشاهدون خذلان الله لهم وإعراضَه عنهم ومقته لهم وما أعدَّ لهم من العذاب، وكلُّ ذلك بمشيئته وإذنه (١) وتصرُّفه في مملكته، فأولياؤه من خشية خذلانه خاضعون مشفقون على أشدِّ وَجَلٍ وأعظم مخافةٍ وأتمِّ انكسارٍ.

فإذا رأت الملائكة إبليس وما جرى له، وهاروت وماروت، وضعت رؤوسها بين يدي الرّبِّ تعالى خضوعًا لعظمته، واستكانةً لعزَّته، وخشيةً من إبعاده وطرده، وتذلُّلًّا لهيبته، وافتقارًا إلى عصمته ورحمته، وعلمت بذلك


(١) ع: «وإرادته».

<<  <  ج: ص:  >  >>