للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عبوديّتها.

وهو سبحانه يحبُّ موجَب أسمائه وصفاته، فهو عليمٌ يحبُّ كلَّ عليمٍ، جَوادٌ يحبُّ كلّ جَوادٍ، وترٌ يحبُّ الوتر، جميلٌ يحبُّ الجمال، عفوٌّ يحبُّ العفو وأهله، حَيِيٌّ يحبُّ الحياء وأهله، بَرٌّ يحبُّ الأبرار، شكورٌ يحبُّ الشاكرين، صبورٌ يحبُّ الصابرين، حليمٌ يحبُّ أهل الحلم. فلمحبَّته سبحانه للتَّوبة والمغفرة والعفو والصفح خلق من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه، وقدَّر عليه ما يقتضي وقوع المكروه المبغوض له، ليُرتِّبَ (١) عليه المحبوب له المرضي له، فتوسُّطه كتوسُّط الأسباب المكروهة المفضية إلى المحبوب.

فربَّما كان مكروه النفوس إلى ... محبوبها سببًا ما مثله سببُ (٢)

والأسباب مع مسبَّباتها أربعة أنواعٍ: محبوبٌ يفضي إلى محبوبٍ، ومكروهٌ يفضي إلى محبوبٍ، وهذان النّوعان عليهما مدار أقضيته وقدره (٣) بالنِّسبة إلى ما يحبُّه ويكرهه.

والثالث: مكروهٌ يفضي إلى مكروهٍ، والرّابع: محبوبٌ يفضي إلى مكروهٍ، وهذان النوعان ممتنعان في حقِّه سبحانه، إذ الغايات المطلوبة من قضائه وقدره التي خلق ما خلق وقضى ما قضى لأجل حصولها لا تكون إلّا محبوبةً للربِّ مرضيّةً له. والأسباب الموصلة إليها منقسمة إلى محبوبٍ له


(١) ع: «ليترتَّب».
(٢) البيت للبحتري في «ديوانه» (١/ ١٧١). وقد أنشده المؤلف في «زاد المعاد» (٣/ ٣٦٨) وغيره.
(٣) ع: «وأقداره». وفي ج، ن سقط «وهذان النوعان ... » إلى هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>