للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنّه إذا نظر بعين الحقيقة إلى الفاعل الحقِّ والمحرِّك الأوَّل، وأنَّه لولا مشيئته لما كان منك فعلٌ، فمشيئته أوجبت فِعلكَ لا مشيئتُك= بقي (١) بلا فعلٍ. فهاهنا تنفع مشاهدة القدر والفناءُ عن رؤية الأعمال.

والثاني: أن تيأس من النَّجاة بعملك، وترى النَّجاة (٢) إنّما هي برحمته وعفوه وفضله، كما في «الصَّحيح» (٣) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «لن يُنجي أحدًا منكم عملُه»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ».

فالمعنى الأوَّل يتعلَّق ببداية الفعل، والثَّاني بغايته ومآله.

وأمَّا (معاينة الاضطرار)، فإنَّه إذا يئس من عمله بدايةً والنَّجاة به نهايةً شهد (٤) اضطراره إلى الله، بل شهد في كلِّ ذرّةٍ منه ضرورةً تامَّةً إليه، وليست ضرورته من هذه الجهة وحدها، بل من جميع الجهات، وجهاتُ ضرورته لا تنحصر بعددٍ، ولا لها سببٌ، بل هو مضطرٌّ إليه بالذَّات، كما أنّ الله غنيٌّ بالذَّات، فإنَّ الغنى وصفٌ ذاتيٌّ للربِّ، والفقر والحاجة والضَّرورة وصفٌ ذاتيٌّ للعبد. قال شيخ الإسلام ابن تيميّة (٥):

والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا ... كما الغنى أبدًا وصفٌ له ذاتِي


(١) جواب «إذا نظر ... ».
(٢) ج، ن: «أن النجاة».
(٣) البخاري (٥٦٧٣، ٦٤٦٣) ومسلم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) «الاضطرار ... شهد» ساقط من ج، ن.
(٥) في مقطوعة له مشهورة سيأتي بعض أبياتها (ص ٢٠٠ - ٢٠١). وهي بتمامها في «العقود الدرية» (ص ٤٥٠ - ٤٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>