للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقوى العزم على السَّير بحسب قوّة الاستبصار، لأنّه يوجب تحديد (١) النّظر فيما يحرِّك الطلب، إذ الطلب فرع الشُّعور، وكلَّما (٢) قوي الشُّعور بالمحبوب اشتدَّ سفر القلب إليه، وكلّما اشتغل الفكر به ازداد الشُّعور والبصيرة به والذكر (٣) له.

وأمّا (الظَّفر بثمرة الفكرة)، فهذا موضعٌ لطيفٌ. وللفكرة ثمرتان: حصول المطلوب تامًّا بحسب الإمكان، والعمل بموجبه رعايةً لحقِّه؛ فإنَّ العقل حال التفكُّر كان قد كَلَّ بإعماله في تحصيل المطلوب، فلمَّا حصلت له المعاني وتخمَّرت في القلب واستراح العقل عاد فتذكَّر ما كان حصَّله وطالعه، فابتهج به وفرح به، وصحَّح في هذا المنزل ما كان فاته في منزل التفكُّر، لأنَّه قد أشرف عليه من مقام التذكُّر الذي هو أعلى منه، فأخذ حينئذٍ في الثمرة المقصودة، وهي العمل بموجَبه مراعاةً لحقِّه، فإنَّ العمل الصالح هو ثمرة العلم النافع الذي هو ثمرة التفكُّر.

وإذا أردت فهم هذا بمثال حسِّي: فطالب المال ما دام جادًّا في طلبه فهو في كلالٍ وتعبٍ، حتّى إذا ظفر به استراح من كدِّ الطلب، وقدم من سفر التِّجارة وطالع ما حصَّله وأبصره، وصحَّح في هذه الحال ما عساه غلط فيه في حال اشتغاله بالطلب، فإذا صحَّ له وبردت غنيمتُه له أخذ في صرف المال في وجوه الانتفاع المطلوبة منه.


(١) ش: «تجديد» بالجيم. وفي الأصل، ل، ع علامة الإهمال تحت الحاء.
(٢) ع: «فكلَّما».
(٣) ع: «والتذكر».

<<  <  ج: ص:  >  >>