للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ (١) مقامٍ يصحِّح ما قبله.

ثمَّ ذكر أن هذه الثمرة تجتنى بثلاثة أشياء، أحدها: قصر الأمل، والثاني: تدبُّر القرآن، والثّالث: تجنُّب مفسدات القلب الخمسة.

فأمَّا (قصر الأمل) فهو العلم بقرب الرحيل وسرعة انقضاء مدَّة الحياة (٢)، وهو من أنفع الأمور للقلب، فإنّه يبعثه على مغافصة الأيام، وانتهاز الفرص التي تمرُّ مرَّ السّحاب، ومبادرة طيِّ صحائف الأعمال، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء، ويحثُّه على قضاء جهاز سفره وتدارك الفارط، ويزهِّده في الدُّنيا ويرغِّبه في الآخرة، فيقوم بقلبه إذا داوم مطالعةَ قصر الأمل شاهدٌ من شواهد اليقين يُريه فناء الدُّنيا وسرعةَ انقضائها وقلَّة ما بقي منها، وأنها قد ترحَّلت مدبرةً، ولم يبق منها إلا صبابةٌ كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها (٣)، وأنها لم يبق منها إلا كما بقي من يومٍ صارت شمسه على رؤوس الجبال؛ ويريه بقاء الآخرة ودوامها، وأنها قد ترحَّلت مقبلةً، وقد جاء أشراطها وأعلامها (٤)، وأنه مِن لقائها كمسافرٍ خرج صاحب له يتلقَّاه، وكلٌّ منهما يسير إلى الآخر، فيوشك أن يلتقيا سريعًا.


(١) ع: «أن كلَّ».
(٢) م، ج، ن: «مدة عمر الحياة»، ولعل منشأه ما في الأصل حيث كتب ناسخه: «مدة العمر الحياة» مع الضرب على كلمة «العمر» لكن بطريقة يوهم أن الضرب على أداة التعريف فقط.
(٣) أي: البقية اليسيرة في الإناء يشربها صاحبها. وهو مقتبس من خطبة لعُتبة بن غزوان المازني - رضي الله عنه - خطبها بالبصرة. أخرجها مسلم (٢٩٦٧/ ١٤).
(٤) ع: «علامتها».

<<  <  ج: ص:  >  >>