للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمسة تطفئ نوره، وتُغوِّر (١) عينَ بصيرته، وتُثقل سمعه إن لم تُصِمَّه (٢) وتُبكِمْه، وتُضعفُ قواه كلَّها وتوهن صحَّته، وتُفتِّر عزيمته وتوقف همَّته، وتنكسه إلى ورائه. ومن لا شعور له بهذا فميِّت القلب «وما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ» (٣).

فهي عائقةٌ له عن نيل كماله، قاطعةٌ له عن الوصول إلى ما خُلق له وجُعِل نعيمُه وسعادته وابتهاجه ولذَّته في الوصول إليه، فإنّه لا نعيم له ولا لذّة ولا ابتهاج ولا كمال إلَّا بمعرفة الله ومحبَّته، والطُّمأنينةِ بذكره (٤)، والفرحِ والابتهاج بقُربه، والشَّوقِ إلى لقائه؛ فهذه جنَّته العاجلة، كما أنَّه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلَّا بجواره في دار النعيم في الجنَّة الآجلة؛ فله جنّتان لا يدخل الثانية منهما إن لم يدخل الأولى.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: إنَّ في الدُّنيا جنَّةً مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة (٥).

وقال بعض العارفين: إنّه ليمرُّ بالقلب أوقاتٌ أقول: إن كان أهل الجنّة في مثل هذا إنّهم لفي عيشٍ طيِّبٍ (٦).


(١) كذا مضبوطًا في ل. وفي م: «تُعْوِر». ولم يُحرَّر في الأصل.
(٢) م: «تُعْمه».
(٣) عَجُز بيت سائر للمتنبي، صدره: «من يَهُن يسهلِ الهَوان عليه»، وقد تقدَّم.
(٤) في ل كتب تحت هذا السطر: «والقيام بخدمته». وكأنها زيادة مقترحة من الناسخ.
(٥) ذكره المؤلف في «الوابل الصيِّب» (ص ١٠٩) أيضًا.
(٦) ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (٤/ ٢٨٦) وابن العديم في «بغية الطلب» (١٠/ ٤٤٧٧) وابن المِبْرَد في «صبِّ الخمول» (ص ١٦٥) عن أبي سليمان المغربي [في «صبِّ الخمول»: المقرئ، تصحيف] الزاهد نزيل طرسوس في قصة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>