والتصحيفات التي اتفقت عليها النسخ المذكورة ــ ومنها النسخة المقروءة على المؤلف - رحمه الله - ــ لم يمكن استدراكها وتصحيحها إلا بمعونة هذه النسخة، غير أنها انفردت بزيادات كثيرة قصيرة أو طويلة، وبفروق كبيرة أحيانًا في النص، تنبئ بأن الأصل الذي ترجع إليها أقدم من أصل النسخ الأخرى، فيكون المؤلف قد حذف بعض النصوص التي كتبها أولًا أو صاغها بطريقة أخرى فيما بعد. ولنضرب أولا مثلا للحذف:
فصل النفاق في المجلد الأول من الكتاب يتضمن وصفًا طويلًا رائعًا للمنافقين، وقد بنى المؤلف - رحمه الله - سجعه على الآيات الواردة في صفاتهم (ص ٥٣٦ - ٥٥٢)، وجاء في آخره في نسخة دار الكتب النص الطويل الآتي:
«قلوبُهم عن الخيرات لاهيةٌ، وأجسادُهم إليها ساعيةٌ، والفاحشةُ في فِجاجهم فاشيةٌ، وإذا سمعوا الحقَّ كانت قلوبُهم عن سماعه قاسيةً، وإذا حضروا الباطلَ وشهدوا الزُّورَ انفتحت أبصارُ قلوبهم، وكانت آذانُهم واعيةً. فهذه والله أماراتُ النِّفاق، فاحذرها أيُّها الرّجلُ قبل أن تنزل بك القاضية. إذا عاهدوا لم يفُوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دُعوا إلى الطَّاعة وقفوا، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول صدَفوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا. فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران، فلا تثق بعهودهم، ولا تطمئنَّ إلى وعودهم، فإنّهم فيها كاذبون، وهم لما سواها مخالفون. {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}».