للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت غنيمةٍ، وللسَّير ذلك الوقت عند السالكين مزيّة عظيمة، حتّى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتّى تطلُع الشَّمس، فإنَّه أوَّل النَّهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق وحصول القِسَم وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصَّة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطرِّ.

وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف اللَّيل الأوَّل وسدسه الأخير (١)، وهو مقدار ثمان ساعاتٍ، وهذا أعدل النوم عند الأطبَّاء، فما زاد عليه أو نقص منه أثَّر عندهم في الطبيعة انحرافًا بحسبه.

ومن النوم الذي لا ينفع أيضًا: النومُ أوَّلَ الليلِ عقيبَ غروب الشمس حتَّى تذهب فحمة العشاء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهه (٢)، فهو مكروهٌ شرعًا وطبعًا.

وكما أنَّ كثرة النوم مُورثةٌ لهذه الآفات، فمدافعته وهَجره (٣) مورثٌ لآفاتٍ أخرى عظامٍ من سوء المزاج ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المُعِينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضًا متلفةً لا ينتفع


(١) وهو الذي امتدحه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه».
(٢) كما في حديث أبي برزة الأسلمي عند البخاري (٥٤٧) ومسلم (٦٤٧) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها.
(٣) عُلِّق عليه في ل بقوله: «مُطلقًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>