للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: ٧١] (١)، وقال: {يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦].

فالسَّماع أصل العقل، وأساس الإيمان الذي انبنى عليه، وهو رائده وجليسه ووزيره، ولكنَّ الشأن كلَّ الشأن في المسموع، وفيه وقع خبط الناس واختلافهم، وغلط من غلط منهم (٢).

وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع، وتحريكه عنها طلبًا وهربًا وحبًّا وبغضًا، فهو حادٍ يحدو بكلِّ أحدٍ إلى وطنه ومألفه. وأصحاب السماع منهم من يسمع بطبعه ونفسه وهواه، فهذا حظُّه من مسموعه ما وافق طبعه. ومنهم من يسمع بحاله وإيمانه ومعرفته وعقله، فهذا يُفتَح له من المسموع بحسب استعداده وقوَّته ومادَّته. ومنهم من يسمع بالله لا يسمع بغيره، كما في الحديث الإلهيِّ الصحيح: «فبي يسمع، وبي يبصر» (٣)، وهذا أعلى سماعًا وأصحُّ من كلِّ أحدٍ.

والكلام في السماع مدحًا وذمًّا يحتاج (٤) إلى معرفة صورة المسموع وحقيقته، وسببه والباعث عليه، وثمرته وغايته، فبهذه الفصول الثلاثة يتحرَّر أمر السماع، ويتميَّز النافع منه والضارُّ، والحقُّ والباطل، والممدوح والمذموم.


(١) وفي سورة السجدة: {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} [٢٦].
(٢) ع: «وغلط منهم من غلط».
(٣) تقدَّم (١/ ٤٠٨) أن أصله في البخاري دون هذه الزيادة، فإنها لا تثبت.
(٤) في ع زيادة: «فيه».

<<  <  ج: ص:  >  >>