للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الرغبة فائدةٌ أخرى، وهي أنَّ فعله يكون فعلَ راغبٍ مختارٍ، لا فعلَ كارهٍ كأنَّما يُساق إلى الموت وهو ينظر.

وأمَّا (إجابة الوعد جهدًا)، فهو امتثال الأمر طلبًا للوصول إلى الموعود به، باذلًا جُهدَه في ذلك، مستفرغًا فيه قواه.

وأمّا (بلوغ مشاهدة المنَّة استبصارًا)، فهو تنبُّه السامع في سماعه إلى أنَّ جميع ما وصله من خيرٍ فمن منَّة الله عليه وتفضُّلِه عليه من غير استحقاقٍ منه، ولا بذلِ عوضٍ استوجب به ذلك، كما قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧].

وكذلك يشهد أنَّ ما زوي عنه من الدُّنيا أو ما لحقه منها من ضرٍّ وأذًى فهو منَّةٌ أيضًا من الله عليه من وجوهٍ كثيرةٍ يستخرجها الفكرُ الصحيح، كما قال بعض السَّلف: يا ابنَ آدم، لا تدري أيَّ النِّعمتين عليك أفضل: نعمته عليك فيما أعطاك، أو نعمته فيما زوى عنك (١). (٢)


(١) قاله صالح بن مسمار البصري نزيل الرقَّة، عابد صالح من أتباع التابعين. أسنده عنه ابن المبارك في «الزهد» (٤٢٧)، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في «كتاب الشكر» (٢٠٣) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤١٧٠).
(٢) في ع زيادة: «وقال عمر بن الخطاب: لا أبالي على أيِّ حالٍ أصبحت أو أمسيتُ، إن كان الغنى إنَّ فيه لَلشُّكر، وإن كان الفقر إنَّ فيه لَلصَّبر. وقال بعض السلف: نعمته فيما زوى عنِّي من الدُّنيا أعظم من نعمته فيما بسط لي منها، إنِّي رأيته أعطاها قومًا فاغترُّوا».
وكُتب في أول الفقرة بخط المقابِل: «زيادة» وفي آخرها: «إلى» إشارة إلى أن هذه الفقرة لم تَرِد في النسخة المقابَل عليها.
هذا، ولم أجد قول عمر بتمامه، وقد ذكر أوَّله المكيُّ في «قوت القلوب» (٢/ ٤٠) ثم الغزالي في «الإحياء» (٤/ ٣٤٦). وأما نصفه الثاني فأشبه بما روي عن ابن مسعود عند وكيع في «الزهد» (١٣٢) وكذا عند ابن المبارك (٥٦٦) وأحمد (ص ١٩٥) فيه، وعند الطبراني في «الكبير» (٩/ ٩٤) وغيرهم، إلا أن فيه «لَلعطف» بدل «للشكر».

<<  <  ج: ص:  >  >>