للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): (وهي هيبةٌ تعارض المكاشف أوقات المناجاة، وتصون المسامر (٢) أحيان المسامرة، وتفصم المعاين بصدمة العزَّة).

يعني: أنَّ أكثر ما تكون الهيبة أوقات المناجاة، وهي وقت تملُّق العبد ربَّه، وتضرُّعِه بين يديه واستعطافه والثَّناء عليه بآلائه وأسمائه وأوصافه، أو مناجاته بكلامه، هذا هو مراد القوم بالمناجاة.

وهذه المناجاة توجب كشف الغطاء بين القلب وبين الربِّ، ورفع الحجاب المانع من مكافحة القلب لأنوار أسمائه وصفاته، وتجلِّيها عليه، فتعارضه الهيبة في خلال هذه الأوقات، فتقبض مِن عَنان مناجاته بحسب قوَّة واردها.

وأمّا صون المسامر (٣) أحيان المسامرة: فالمسامرة عندهم أخصُّ من المناجاة، وهي مخاطبة القلب للربِّ خطابَ المحبِّ لمحبوبه، فإن لم تقارنها هيبة جلاله، أخذت به في نوع (٤) الانبساط والإدلال، فتجيء الهيبة صائنةً للمسامر في مسامرته من انخلاعه من أدب العبوديَّة.

وأمّا فصمها المعاين بصدمة العزَّة، فإنَّ الفصم: القطع، أي تكاد تقتله وتمحقه بصدمة عزَّة الربوبية بمعانيها الثلاثة، وهي: عزَّة الامتناع، وعزَّة القوَّة والشدَّة، وعزَّة السُّلطان والقهر، فإذا صدمت المعاين كادت تفصمه وتمحق أثره، إذ لا يقوم لعزَّة الربوبية شيء.


(١) «منازل السائرين» (ص ٢٠).
(٢) ل، ج، ن: «المشاهد»، وكذا في «المنازل» وشروحه.
(٣) في ل غُيِّر إلى «المشاهد» ليوافق متن «المنازل».
(٤) «نوع» ساقط من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>