للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللسالك نظران: نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله، يفتح عليه باب الخوف. ونظرٌ إلى سعة فضل ربِّه وكرمه وبرِّه، يفتح عليه باب الرّجاء. ولهذا قيل في حدِّ الرجاء: هو النظر إلى سعة رحمة الله.

وقال أبو عليٍّ الرُّوذْباري - رحمه الله -: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير وتمَّ طيرانُه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حدِّ الموت (١).

وسئل أحمد بن عاصمٍ: ما علامة الرجاء في العبد؟ فقال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان أُلهم الشُّكر، راجيًا لتمام النِّعمة من الله عليه في الدُّنيا وتمامِ عفوه عنه في الآخرة (٢).

واختلفوا أيُّ الرجائين أكمل: رجاء المحسنِ ثوابَ إحسانه، أو رجاء المذنب المسيء التائب مغفرةَ ربِّه وعفوه؟ فطائفةٌ رجَّحت رجاء المحسن لقوَّة أسباب الرجاء معه. وطائفةٌ رجَّحت رجاء (٣) المذنب لأنَّ رجاءه مجرَّدٌ عن علَّة رؤية العمل، مقرونٌ بذلَّة رؤية الذنب.

قال يحيى بن معاذٍ: يكاد رجائي لك مع الذُّنوب يغلب على رجائي لك مع الأعمال، لأنِّي أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص، وكيف أحرزها وأنا بالآفات معروفٌ! وأجدني في الذُّنوب أعتمد على عفوك، وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوفٌ!


(١) ع: «الموات». وقد أسنده البيهقي في «شعب الإيمان» (٩٩٦) والقشيري (ص ٣٦٠).
(٢) أسنده القشيري (ص ٣٦٠).
(٣) ع: «جانب».

<<  <  ج: ص:  >  >>