بمراد العبد من ربِّه من الإحسان والثواب والإفضال، وقد يكون مراده تعالى من عبده استيفاءَ حقِّه ومعاملتَه بحكم عدله لِما له في ذلك من الحكمة؛ فإذا أراد العبد منه معاملته بحكم الفضل دخل في نوع معارَضةٍ، فكأنَّ الراجي تعلَّق قلبُه بما يعارض تصرُّفَ المالك في ملكه. وذلك ينافي حكم استسلامه وانقياده وانطراحه بين يدي ربِّه مستسلمًا لِما يحكم به فيه، فرجاؤه معارَضة لحكمه وإرادته، ووقوفٌ مع مراده من سيِّده، وذلك يعارض مراد سيِّده منه. والمحبُّ الصادق من فني بمراد محبوبه عن مراده منه، ولو كان فيه تعذيبُه!
وأمَّا وجه الاعتراض فهو أن القلب إذا تعلَّق بالرجاء ولم يظفر بمرجوِّه اعترض، حيث لم يحصل له مرجوُّه ولم يظفر به. وإن ظفر به اعترض، حيث فات غيرَه ذلك المرجوُّ (١)، لأن كلَّ أحدٍ يرجو فضل الله ويحدِّث نفسه به.
وفيه وجهٌ آخر من الاعتراض: وهو أنه يعترض على ربِّه بما يرجوه منه، لأنَّ الراجي متمنٍّ لما يرجو مُوثِرٌ له، وذلك اعتراضٌ على القدر، منافٍ لكمال الاستسلام والرِّضا بما سبق به القضاء؛ فإذا تيقَّن أنَّه قد سبق له القضاء بشيءٍ، وأنَّه لا بدَّ أن يناله، فعلَّق قلبه برجاء شيءٍ من الفضل= فقد اعترض على القضاء، ولم يعرف للاستسلام للحكم حقَّه. وذلك وقوعٌ في الرُّعونة في مذهب السائرين على درب الفناء الناظرين إلى عين الجمع، إذ الرُّعونة هي الوقوف مع حظِّ النّفس، والرجاء هو الوقوف مع الحظِّ لأنَّه يتعلَّق بالحظوظ.
(١) فيقول الظافر معترضًا: «لِمَ لا يشمل الجميعَ بالرحمة؟». انظر: «شرح التلمساني» (ص ١٥٤).