تسميته نفسه «الشيباني» بخطّ يده. وقد ذكرنا أنّ ذلك ممّا حداه على تعلّم علم الأنساب، والأنساب من علوم التاريخ، ولأنّه خالط العلويّين، وتتلمذ على نسّابة مشهور منهم هو جمال الدين أحمد بن مهنّا العلويّ، والعلويّون مغرمون بالأنساب، وعرض بعض تآليفه على السيّد عميد الدين عبد المطّلب بن علي بن الحسن بن المختار، فطالع فيه، كما ذكر هو في ترجمته (١)، ولأنّ أكثر فنون التاريخ القديم لا تتعدّى النسخ والجمع والترتيب، وابن الفوطي ناسخ بارع استئلافا واحترافا.
ولم يقتصر ابن الفوطيّ على الجمع والاقتباس من الكتب، بل بعثه حبّه للسّماع، أعني سماع الأحاديث، على الاستكثار من ذلك، والسعي الى الشيوخ الرّواة، والقصد الى المعمّرين منهم والعلماء والادباء والشعراء يستمليهم أو يستكتبهم أو يسترويهم أو يستقرئهم أو يستنشدهم، وينقل عنهم بالمشافهة أو الإجازة أو المناولة، حتى لقد ذكر أنّ مشيخته احتوت على خمسمائة شيخ بين مسمع له ومجيز له الرواية عنه، وأنا أحسب هذه المشيخة مقصورة على رجال الحديث النبوي الشريف، وإلاّ فانّ الذين لقيهم وكتب عنهم أو استكتبهم يعدّون بآلاف، ولا أقول بالوف. ومنهم من لقيه مرّتين، ومنهم من لقيه ثلاث مرّات في ثلاثة مواضع، ولم ينكل عن النقل عنه في المرّات الثلاث، كما ذكر في سيرة كمال الدين أحمد بن أبي بكر البكري الزنجاني.
وقد حفظ ابن الفوطيّ في كتابه «تلخيص مجمع الآداب المرتّب على معجم الأسماء في معجم الألقاب» فوائد كثيرة وفيرة في الأدب والشعر والتاريخ والنثر الإخواني والنثر الديواني، لا توجد في كتاب غيره، فضلا عن التراجم التي كتبها لأعيان عصره وأماثل مصره، في عصر قلّ فيه المؤرّخون باللّغة العربية في البلاد الشرقية خاصّة، ولا سيّما العراق والجزيرة، وذلك لغلبة اللّغة الفارسية في عصر المغول. وإنّ هذا المعجم الوسيع المبني على الألقاب أوّلا، يدلّ دلالة واضحة على
(١) (راجع ترمته في الملقّبين بعميد الدين من هذا الكتاب).