للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثرة مجموعات ابن الفوطيّ التاريخية ووساعة مطالعاته. ولا غرابة في ذلك، فقد كان يقيّد وينقل ويترجم ويستنشد ويستملي ويستكتب ويستقرئ طوال سيرته العلميّة (١) وسيرته الأدبيّة (٢). ولذلك قال ابن حجر العسقلاني في الدرر: «كان روضة معارف، وبحر أخبار».

ولم نجد عند ابن الفوطيّ ميلا الى الفقه واصوله، ولا ألفينا في كتابه نكتا فقهيّة، لأنّه ابتدأ صباه بدراسة الأدب وسماع الحديث؛ ولم يرغبه والده في الفقه، ولم تكن سنّه قبل أسر المغول له متأهّلة لدراسة الفقه، وفيه الاصول والاستدلال والاستنباط والعلّة والمعلول والقياس والاستصحاب، واصول الفقه - في رأيي - من العلوم التي تساعد على فهم الحكمة والفلسفة، فلو كان ابن الفوطيّ درس اصول الفقه لسهّل ذلك عليه أن يستوعب فنون الحكمة من علوم الأوائل، ثمّ إنّ المربى الذي عاش فيه بمراغة لم يفتح له مجالا لدراسة الفقه واصوله وفروعه، لأنّها كانت في ذلك المربى من العلوم الثانوية، على أنّ تهاونه بعلوم الأوائل حفظ عليه دينه وصانه من بلاء الإلحاد. غير أنّ عفيف الدين المطريّ قال، كما جاء في تذكرة الحفّاظ: «بلغني أنّه كان يخلّ بالصلوات، ويدخل في بلايا»، وقال الذهبي نفسه: «وبعض الفضلاء تكلّم في عدالته، وكان ربّما يشرب المسكر»، وزاد ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة وقد تكلّم في عقيدته وفي عدالته: «وسمعت من بعض شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك».وقال ابن حجر في لسان الميزان نقلا عن الذهبي: «كانت في دينه رقّة»، ونقل عن الذهبيّ أيضا في ذيل العبر: «أنّ له هنات وبوائق».

فإن كان أراد بالعقيدة عقيدة الإسلام، فالمتكلّم في عقيدته لم يكن على


(١) (يراد بالسيرة العلمية ما تعالمه معاصروه من مدلول العلم كالحديث وعلومه من رواية ودراية وتاريخ شيوخ).
(٢) (الكتب المهمّة التي ذكرها مستفيدا منها في الجزء الرابع والجزء الخامس من التلخيص زادت عدّتها على ١٥٢ كتابا).

<<  <  ج: ص:  >  >>