للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحبَّة تأبى ذلك، فإنَّ المحبَّ لا حظَّ له مع محبوبه، فوقوفه مع حظِّه علَّةٌ في محبَّته. وأنَّ طمعه في الثواب تطلُّعٌ إلى أنَّه يستحقُّ بعمله على الله أُجرةً، ففي هذا آفتان: تطلُّعه إلى الأُجرة، وإحسان ظنِّه بعمله، إذ تطلُّعه إلى استحقاق الأجرِ به (١)، وخوفُه من العقاب= خصومةٌ للنَّفس، فإنَّه لا يزال يخاصمها إذا خالفت (٢) ويقول: أَما تخافين النَّار وعذابَها وما أعدَّ الله لأهلها؟! فلا تزال الخصومة بذلك بينه وبين نفسه (٣).

ومن وجهٍ آخرَ أيضًا: وهو أنَّه كالمخاصم عن نفسه، المدافع عنها لخصمه الذي يريد هلاكه، وهو عين الاهتمام بالنَّفس والالتفاتِ إلى حظوظها مخاصمةً عنها واستدعاءً لها ما تلتذُّ به.

ولا يخلِّصه من هذه المخاصمة وذلك الاستشراف إلَّا تجريدُ القيام بالأمر والنهي من كلِّ علَّةٍ، بل يقوم به تعظيمًا للآمر الناهي، وأنَّه أهلٌ أن يعبد وتعظَّمَ حرماتُه ولو لم يخلق جنةً ولا نارًا، فهو يستحقُّ العبادة والتعظيم والإجلال لذاته، كما في الأثر الإسرائيليِّ: «لو لم أخلق جنةً ولا نارًا، أما كنتُ أهلًا أن أُعبَد؟» (٤).


(١) ش: «استحقاق الأجرة».
(٢) ش: «خالفته».
(٣) هذا ما فسَّره به التلمساني (ص ١٧٦)، لكنه مخالف لمقصود الماتن، لأنه قال في آخره: «هذه الأوصاف كلَّها شُعَب من عبادة النفس»، وليس مخاصمته للنفس من عبادتها في شيء، وإنما يكون ذلك إذا خاصم عنها ودافع عنها. والظاهر أن المؤلف أدرك ذلك فأتبعه بالتفسير الآتي.
(٤) ذكره في «قوت القلوب» (٢/ ٥٦) على أنه نقله وهب بن منبه من الزبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>