فالخير الذي صدر منها إنَّما هو من الله تعالى وبه، لا من العبد ولا به. كما قال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}[النور: ٢١].
وقال أهل الجنَّة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف: ٤٣].
وقال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {(٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا} [الإسراء: ٧٤].
فكلُّ خيرٍ في العبد فهو مجرّد فضل الله ومنَّته وإحسانه ونعمته، وهو المحمود عليه، فرؤية العبد لأعماله في الحقيقة كرؤيته لصفاته الخَلْقيَّة من سمعه وبصره وإدراكه وقوَّته، بل من صحَّته وسلامة أعضائه، ونحو ذلك؛ فالكلُّ مجرَّد عطاء الله ونعمته وفضله. فالذي يخلِّص العبد من هذه الآفة معرفةُ ربِّه ومعرفة نفسه.
والّذي يخلِّصه من طلب العوض على العمل: علمه بأنَّه عبدٌ محض، والعبد لا يستحقُّ على خدمته لسيِّده عوضًا ولا أجرةً، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديَّته. فما يناله من سيِّده من الأجر والثواب تفضُّلٌ منه وإحسانٌ إليه وإنعامٌ عليه، لا معاوضة؛ إذ الأجرة إنَّما يستحقُّها الحرُّ أو عبد الغير، فأمَّا عبدُه نفسِه فلا.