للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يخلِّصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران:

أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه، وما فيه من حظِّ النفس ونصيب الشّيطان؛ فقلَّ عملٌ من الأعمال إلّا وللشيطان فيه نصيبٌ وإن قلَّ، وللنَّفس فيه حظٌّ. سئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن التفات الرجل في صلاته فقال: «هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد» (١). فإذا كان هذا التفاتُ طَرْفِه ولحظه، فكيف التفاتُ قلبه إلى ما سوى الله؟ هذا أعظم نصيب الشيطان من العبوديَّة.

وقال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: لا يجعل أحدكم للشيطان حظًّا من صلاته، يرى أنَّ حقًّا عليه أن لا ينصرف إلَّا عن يمينه (٢)؛ فجعل هذا القدر اليسير النزر حظًّا ونصيبًا للشيطان من صلاة العبد، فما الظنُّ بما فوقه؟

وأمَّا حظُّ النفس من العمل فلا يعرفه إلا أهل البصائر الصادقون.

الثاني: علمه بما يستحقُّه الربُّ جلَّ جلاله من حقوق العبوديَّة وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها، وأنَّ العبد أضعف وأعجز وأقلُّ من أن يوفِّيها حقَّها وأن يرضى بها لربِّه، فالعارف لا يرضى بشيءٍ من عمله لربِّه، ولا يرضى نفسه لله تعالى طرفة عينٍ، ويستحيي من مقابلة الله بعمله. فسوء ظنِّه بنفسه وعمله وبغضه لها، وكراهته لأنفاسه وصعودها إلى الله يحول بينه وبين الرِّضا بعمله والرِّضا عن نفسه.


(١) أخرجه البخاري (٧٥١) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) أخرجه البخاري (٨٥٢) ومسلم (٧٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>