للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعلومه، فإذا أعرض عن السبب صحَّ له التوكُّل.

وهذا الذي أشار إليه مذهبُ قومٍ من العبَّاد والسالكين. وكثيرٌ منهم كان يدخل البادية بلا زادٍ، ويرى حمل الزَّاد قدحًا في التوكُّل، ولهم في ذلك حكايات مشهورة. وهؤلاء في خفارة صدقهم، وإلَّا فدرجتهم ناقصةٌ عند العارفين.

ومع هذا فلا يمكن بشرًا البتَّة تركُ الأسباب جملةً. فهذا إبراهيم الخوَّاص - رحمه الله - كان مجرِّدًا في التوكُّل يدقِّق فيه، ويدخل البادية بغير زادٍ، وكان لا تفارقه الإبرة والخيوط والرَّكوة والمقراض. فقيل له: لم تحمل هذا وأنت تمنع من كلِّ شيءٍ؟ فقال: مثل هذا لا ينقص التّوكُّل، لأنَّ لله تعالى علينا فرائض، والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد، فربَّما تخرَّق ثوبه، فإذا لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته، فتَفسُد عليه صلاتُه، وإذا لم يكن معه ركوةٌ فسد (١) عليه طهارتُه. وإذا رأيت الفقير بلا ركوةٍ ولا إبرةٍ وخيوطٍ (٢) فاتَّهمه في صلاته (٣).

أفلا تراه لم يستقم له دينه إلَّا بالأسباب؟ أَوَليست (٤) حركةُ أقدامه،


(١) ع: «فسدت».
(٢) ع: «رأيت الفقير عارٍ عن هذه الأشياء»، والمثبت من سائر النسخ موافق لمصدر النقل.
(٣) أسنده القشيري (ص ٤١٤) ومن طريقه الخطيب في «تاريخه» (٦/ ٤٩٣).
(٤) همزة الاستفهام من ع دون سائر النسخ، وبها يستقيم المعنى. وفي الأصل ول حاول بعضهم إقامة السياق بزيادة «إلا» قبل «من الأسباب»، فكُتب فيهما بخط مغاير فوق السطر. والمثبت من ع أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>