للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقلُها في الطريق، والاستدلالُ على أعلامها إذا خفيت عليه= مِن الأسباب؟ فالتجرُّد من الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلًا وشرعًا وحسًّا.

نعم، قد تعرِض للصادق أحيانًا قوَّةُ ثقةٍ بالله، وحالٌ مع الله تحمله على ترك كلِّ سببٍ غير مفروضٍ عليه، كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة. ويكون ذلك الوقت بالله لا به، فيأتيه مددٌ من الله على مقتضى حاله. ولكن لا يدوم له هذا الحال، وليست في مقتضى الطبيعة، فإنها كانت هجمةً هجمت عليه بلا استدعاءٍ فحمل عليها. فإذا استدعى مثلَها وتكلَّفها لم يُجَب إلى ذلك. وفي تلك الحال إذا ترك السبب يكون (١) معذورًا لقوَّة الوارد وعجزه عن الاشتغال بالسبب، فيكون في وارده عونٌ له، ويكون حاملًا له. فإذا أراد تعاطي تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في المحال.

وكلُّ تلك الحكايات الصحيحة التي تُحكى عن القوم فهي جزئيَّة حصلت لهم أحيانًا، ليست طريقًا مأمورًا بسلوكها، ولا مقدورة. وصارت فتنةً لطائفتين:

طائفةٌ ظنَّتها طريقًا ومقامًا، فعملوا عليها، فمنهم من انقطع، ومنهم من رجع ولم يمكنه الاستمرار عليها (٢).

وطائفةٌ قدحوا في أربابها، وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل، مدَّعين لأنفسهم حالًا أكمل من حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، إذ لم يكن فيهم أحدٌ


(١) ش: «لم يكن»، وكذا كان في الأصل ثم أُصلح، وكُتب في هامش ش: «صوابه: كان معذورًا».
(٢) زاد في ع: «بل انقلب على عقبيه».

<<  <  ج: ص:  >  >>