للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توكُّله وأعظمِ دواعيه. فإذا تحقَّق ذلك علمًا ومعرفةً، وباشر قلبَه حالًا، لم يجد بدًّا من اعتماد قلبه على الحقِّ وحدَه، وثقته به، وسكونه إليه وحده، وطمأنينته به وحده؛ لعلمه أنَّ حاجاتِه وفاقاتِه وضروراتِه وجميعَ مصالحه بيده وحده، لا بيد غيره. فأين يجد قلبُه مناصًا من التوكُّل بعد هذا؟

فعلَّة التوكُّل حينئدٍ: التفاتُ قلبه إلى من ليس له شِرْكةٌ في ملك الحقِّ، ولا يملك مثقالَ ذرَّةٍ في السّماوات ولا في الأرض. هذه علَّة توكُّله، فهو يعمل على خلاص (١) توكُّله من هذه العلَّة.

نعم، ومن علَّةٍ أخرى، وهي رؤية توكُّله، فإنَّه التفاتٌ إلى عوالم نفسه. وعلَّةٍ ثالثةٍ: وهي صرفه قوَّةَ توكُّله إلى شيءٍ غيرُه أحبُّ إلى الله منه. فهذه العلل الثَّلاث هي علل التوكل.

وأمَّا التوكيل (٢): فليس المراد منه إلا مجرَّد التفويض، وهو من أخصِّ مقامات العارفين (٣)، كما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهمَّ إنِّي أسلمتُ نفسي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك» (٤). وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} فكان جزاء هذا التّفويض قوله: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:٤٤ - ٤٥].


(١) ع: «تخليص».
(٢) في جميع النسخ والمطبوعات: «التوكل»، خطأ. وقد سبق قول المؤلف: «هاهنا أمران: توكُّل وتوكيل»، وقد انتهى من كلامه على التوكل.
(٣) وهي المنزلة الآتية من منازل السائرين.
(٤) أخرجه البخاري (٦٣١١) ومسلم (٢٧١٠) من حديث البراء في الدعاء عند النوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>