للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أنَّ في تنزيل عبارته على هذا، وإفراغِ هذا المعنى في قوالب ألفاظه نظر (١).

وفيه وجهٌ آخر (٢)، وهو أن يكون المراد: التسليم لما يبدو للعبد من معاني الغيب ممَّا يزاحم معقوله في بادي الرَّأي ويسبق إلى وهمه أنَّ الأمر بخلافه، فيسبق على الأوهام من الغيب الذي أُخبِرت به شيءٌ يزاحم معقولها، فتقع المنازعة بين حكم العقل وحكم الوهم؛ فإنَّ كثيرًا من الغيب قد يزاحم العقل بعض المزاحمة، ويسبق إلى الوهم خلافُه. فالتسليم: تسليم هذا المزاحم إلى وليِّه ومَن أخبر به، والتجرُّد عمَّا يسبق إلى الوهم ممَّا يخالفه.

وهذا أولى المعنيين بكلامه إن شاء الله. فالأوَّل تسليم منازعات الأسباب لتجريد التوحيد العمليِّ القصديِّ الإراديِّ، وهذا تجريد منازعات الأوهام المخالفة للخبر لتجريد التوحيد العلميِّ الخبريِّ الاعتقاديِّ. وهذا حقيقة التسليم.

قوله: (والإذعان لما يغالب القياس مِن سير الدُّول والقِسَم)، أي الانقياد لما يقاوي عقلَه وقياسه ممَّا جرى به حكم الله في الدُّول قديمًا وحديثًا مِن طيِّ دولةٍ ونشر دولةٍ، وإعزاز هذه وإذلال هذه، والقِسَم التي قَسَمها على خلقه مع شدَّة تفاوتها، وتباين مقاديرها وكيفيَّاتها وأجناسها؛ فيذعن لحكمة الله في ذلك، ولا يعترض ما وقع منها بشبهةٍ وقياسٍ.


(١) كذا في النسخ، والوجه النصب.
(٢) وهو أيضًا مما أبداه التلمساني (ص ٢١٢ - ٢١٣)، فهذَّبه المؤلف على طريقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>