للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب، والعقلُ يأمر بها. فصاحب التسليم يسلِّم إلى الله عزَّ وجلَّ ما هو غيبٌ عن العبد، فإنَّ فعله سبحانه لا يتوقَّف على هذه الأسباب التي ينهى العقل عن التجرُّد عنها.

فإذا سلَّم لله لم يلتفت إلى السبب في كلِّ ما غاب عنه. فالأوهام يسبق عليها أنَّ ما غاب عنها من الحكم لا يحصل إلَّا بالأسباب، والتسليم يقتضي التجرُّد عنها، والعقل ينهى عن ذلك، والوهم قد سبق (١) عليه أنَّ الغيب موقوفٌ عليها.

فهاهنا أمورٌ ستَّة: عقل، ومزاحِمٌ له، ووهم، وسابقٌ إليه، وغيب، وتسليم لهذا المزاحم.

فالعقل هو الباعث له على الأسباب، الداعي له إليها، التي إذا خرج الرجل عنها عُدَّ قدحًا في عقله.

والمزاحم له: التجرُّد عنها بكمال التسليم إلى من بيده أزمَّة الأمورِ مواردِها ومصادرِها (٢).

والوهم: اعتقاده توقُّف حصول السَّعادة والنَّجاة وحصول المقدور كائنًا ما كان عليها، وأنَّه لولاها لما حصل المقدور. وهذا هو السابق إلى الوهم.

والمغيب: الحكم الذي غاب عنه، وهو فعل الله.

والتسليم: تسليم هذا المزاحم إلى نفس الحكم (٣).


(١) ل: «يسبق».
(٢) ع: «ومواردُها ومصادرُها».
(٣) ما سبق بسط لكلام التلمساني في «شرحه» (ص ٢١٢)، وسيتعقَّبه المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>