للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضطرِّ إذا لم يجد ما يُقيته إلَّا من الميتة والدم، وأحسنُ أحواله أن يكون من باب التُّراب الذي إنَّما يتيمَّم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور.

وأمّا الرِّضا بدينه، فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كلَّ الرِّضا، ولم يبق في قلبه حرجٌ من حكمه، وسلَّم له تسليمًا ولو كان مخالفًا لمراد نفسه وهواها، وقول مقلَّده (١) وشيخه وطائفته.

وهاهنا يُوحشك الناس كلُّهم إلَّا الغرباء في العالم، فإيَّاك وأن (٢) تستوحش من الاغتراب والتفرُّد، فإنَّه واللهِ عينُ العزِّ، والصُّحبة مع الله تعالى ورسوله، ورَوح الأنس به والرِّضا به ربًّا وبمحمَّدٍ رسولًا وبالإسلام دينًا.

بل الصادق كلَّما وجد أُنس (٣) الاغتراب، وذاق حلاوته، وتنسَّم رَوحه= قال: اللهمَّ زدني اغترابًا، ووحشةً من العالم، وأنسًا بك.

وكلَّما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التّفرُّد رأى الوحشة عين الأنس بالناس، والذلَّ عين العزِّ بهم، والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزُبالة أذهانهم، والانقطاع عين التقيُّد برسومهم وأوضاعهم؛ فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدًا من الخلق، ولم يبع حظَّه من الله بموافقتهم فيما لا يُجدي عليه إلَّا الحرمان وغايتُه مودَّة بينهم في الحياة الدُّنيا؛ فإذا تقطَّعت (٤) الأسباب، وحقَّت الحقائق، وبعثر ما في القبور، وحصِّل ما في الصُّدور، وبُليت السرائر،


(١) ع: «أو هواها أو قول مقلَّده».
(٢) في النسخ عدا الأصل، ل: «فإياك أن».
(٣) المثبت من ج، ن. وفي ش: «سرَّ». وفي ل، ع: «مسَّ»، وكذا جُعل في الأصل بعد تغيير ومسح، ولعله كان كالمثبت قبل ذلك.
(٤) في النسخ عدا الأصل، ل: «انقطعت».

<<  <  ج: ص:  >  >>