للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد من دون مولاه الحقِّ من قوَّةٍ ولا ناصرٍ= تبيَّن (١) له حينئذٍ مواقع الرِّبح من الخسران، وما الذي يخفُّ أو يرجح به الميزان. والله المستعان، وعليه التُّكلان.

والتحقيق في المسألة: أنَّ الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه، موهبيٌّ باعتبار حقيقته، فيمكن أن يُنال (٢) بالكسب لأسبابه. فإذا تمكَّن في أسبابه وغرس شجرته اجتنى منها ثمرة الرِّضا، فإنَّ الرضا آخر التوكُّل، فمن رسخ قدمُه في التوكُّل والتسليم والتفويض حصل له الرضا ولا بدَّ. ولكن لعزَّته، وعدم إجابة أكثر النُّفوس له، وصعوبته عليها= لم يوجبه الله على خلقه رحمةً بهم وتخفيفًا عنهم، لكن ندبهم إليه، وأثنى على أهله، وأخبر أنَّ ثوابه رضاه عنهم (٣)، الذي هو أعظم وأكبر وأجلُّ من الجنات (٤) وما فيها (٥).

فمن رضي عن ربِّه رضي الله عنه، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه، فهو محفوفٌ بنوعين من رضاه عن عبده: رضًا قبلَه أوجب له أن يرضى عنه، ورضًا بعده هو ثمرة رضاه عنه. ولذلك كان الرِّضا باب الله الأعظم، وجنَّة الدُّنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبِّين، ونعيم العابدين،


(١) ع: «يتبيَّن».
(٢) ع: «يقال».
(٣) كما في قوله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠].
(٤) ع: «الجنان».
(٥) كما قال تعالى بعد أن ذكر الجنات وأنهارها ومساكنها: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: ٧٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>