للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى، وهو نظير جعله الصبر بالله أعلى من الصبر لله. والذي ينبغي: أن تكون الدرجة الأولى أعلى شأنًا وأرفع قدرًا، فإنَّها مختصَّةٌ وهذه الدرجة مشتركة، فإنَّ الرِّضا بالقضاء يصحُّ من المؤمن والكافر، وغايته التسليم لقضاء الله وقدره، فأين هذا من الرِّضا به ربًّا وإلهًا ومعبودًا وحكمًا؟

وأيضًا (١): فالرِّضا به ربًّا فرض، بل هو من آكد الفروض باتِّفاق الأمَّة، فمن لم يرض به ربًّا، لم يصحَّ له إسلامٌ ولا عمل (٢). وأمَّا الرِّضا بقضائه، فأكثر الناس على أنَّه مستحبٌّ وليس بواجبٍ، وقيل: بل هو واجب، وهما قولان في مذهب أحمد (٣).

فالفرق بين الدرجتين فرق ما بين الفرض والنفل (٤). وفي الحديث الإلهيِّ الصحيح يقول الله عزَّ وجلَّ: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه» (٥)، فدلَّ على أنَّ التقرُّب إليه سبحانه بأداء الفرض (٦) أفضل وأعلى من التقرُّب إليه بالنوافل.

وأيضًا: فإنَّ الرِّضا به ربًّا يتضمَّن الرِّضا عنه ويستلزمه، فإنَّ الرِّضا بربوبيته هو رضا العبد بما يأمره به وينهاه عنه، ويقسمه له ويقدِّره عليه، ويعطيه إيَّاه ويمنعه منه. فمتى لم يرض بذلك كلِّه لم يكن قد رضي به ربًّا من


(١) «وأيضًا» من ع، والسياق يقتضيه.
(٢) زيد في ع: «ولا حال».
(٣) انظر ما سبق (ص ٤٧٧).
(٤) ع: «الندب».
(٥) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
(٦) ع: «فرائضه».

<<  <  ج: ص:  >  >>