للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع الوجوه وإن كان راضيًا به ربًّا من بعضها. فالرِّضا به ربًّا من كلِّ وجهٍ يستلزم الرِّضا عنه ويتضمَّنه بلا ريبٍ.

وأيضًا: فالرِّضا به ربًّا يتعلَّق (١) بذاته وصفاته وأسمائه وربوبيَّته العامَّة والخاصَّة، فهو الرِّضا به خالقًا ومدبِّرًا، وآمرًا وناهيًا وملكًا، ومعطيًا ومانعًا، وحكمًا ووكيلًا ووليًّا، وناصرًا ومعينًا، وكافيًا وحسيبًا، ورقيبًا ومبتليًا ومعافيًا، وقابضًا وباسطًا، إلى غير ذلك من صفات ربوبيته. وأمَّا الرِّضا عنه، فهو رضا العبد بما يفعله به ويعطيه إيَّاه. ولهذا إنما جاء (٢) في الثواب والجزاء، كقوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨] فهذا رضاها عنه بما حصل لها من كرامته، وكقوله تعالى: {(٧) عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٨].

فالرِّضا به أصلٌ للرِّضا عنه، والرِّضا عنه ثمرة الرِّضا به. وسرُّ المسألة: أنّ الرِّضا به متعلِّق بأسمائه وصفاته، والرِّضا عنه متعلِّق بثوابه وجزائه.

وأيضًا: فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّق ذوق طعم الإيمان بمن رضي به ربًّا، ولم يعلِّقه بمن رضي عنه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّدٍ رسولًا» (٣)، فجعل الرِّضا به قرين الرِّضا بدينه ونبيِّه. وهذه الثلاثة هي أصول الإسلام التي لا يقوم إلَّا بها.


(١) ع: «متعلق».
(٢) ع: «ولهذا لم يجئ إلا».
(٣) أخرجه مسلم (٣٤) من حديث العباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>