للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا: فالرِّضا به ربًّا يتضمَّن توحيده وعبادته، والإنابة إليه، والتوكُّل عليه، وخوفه ورجاءه ومحبَّته، والصّبر له وبه، والشُّكر على نعمه، بل رؤية كلِّ ما منه نعمةً وإحسانًا وإن ساء عبده. فالرِّضا به ربًّا يتضمَّن شهادة أن لا إله إلّا الله، والرِّضا بمحمدٍ رسولًا يتضمَّن شهادة أن محمَّدًا رسول الله، والرِّضا بالإسلام دينًا يتضمّن التزام عبوديَّته وطاعته وطاعة رسوله. فجمعت هذه الثلاثة الدِّين كلَّه.

وأيضًا: فإن الرِّضا به ربًّا يتضمَّن اتِّخاذه معبودًا دون ما سواه، واتِّخاذَه وليًّا ومعبودًا (١). وقد قال تعالى لرسوله: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام: ١١٤]، وقال: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام: ١٤]، وقال: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٦٤]، فهذا هو عين الرِّضا به ربًّا.

وأيضًا: فإنَّه جعل حقيقة الرِّضا به ربًّا أن يسخط عبادة ما دونه. فمتى سخط العبد عبادة ما سواه من الآلهة الباطلة حبًّا وخوفًا ورجاءً، وتعظيمًا وإجلالًا= فقد تحقَّق بالرِّضا به (٢)، الذي هو قطب رحى الإسلام.

وإنَّما كان قطب رحى الدِّين لأنَّ جميع العقائد والأعمال والأحوال إنما تنبني على توحيد الله في العبادة وسخط عبادة ما سواه، فمن لم يكن له هذا القطب لم يكن له رحًى تدور عليه. ومن حصل له هذا القطب ثبتت له


(١) كذا في جميع النسخ والمطبوعات، ولعله سبق قلم فإن ذكر اتخاذه معبودًا سبق آنفًا، ومقتضى السياق والآيات التي استشهد بها: «وليًّا وحَكَمًا». وأيضًا فقد سبق (ص ٤٩٣) أن أركان التوحيد ثلاثة: أن لا يتخذ سواه ربًّا ولا إلهًا (= وليًّا) ولا غيره حَكَمًا. هذا، وزيد في ع بعده: «وإبطال كل ما سواه».
(٢) زاد في ع: «ربًّا».

<<  <  ج: ص:  >  >>