للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحى التي تدور عليه (١)، فيخرج حينئذٍ من دائرة الشِّرك إلى دائرة الإسلام، فتدور رحى إسلامه وإيمانه على قطبها الثابت اللازم.

وأيضًا: فإنَّه جعل حصول هذه الدرجة من الرِّضا موقوفًا على كون المرضيِّ به ربًّا ــ سبحانه ــ أحبَّ إلى العبد من كلِّ شيءٍ، وأولى الأشياء بالتعظيم، وأحقَّ الأشياء بالطاعة؛ ومعلومٌ أنَّ هذا يجمع قواعد العبوديَّة وينتظم (٢) فروعَها وشُعَبَها.

ولمَّا كانت المحبَّة التامَّة ميل القلب بكلِّيَّته إلى المحبوب، كان ذلك الميل حاملًا على طاعته وتعظيمه. وكلَّما كان الميل أقوى كانت الطاعة أتمَّ والتعظيمُ أوفر. وهذا الميل يلازم الإيمان، بل هو روح الإيمان ولبُّه. فأيُّ شيءٍ يكون أعلى من أمرٍ يتضمَّن أن يكون الله سبحانه أحبَّ الأشياء إلى العبد، وأولى الأشياء بالتعظيم، وأحقَّ الأشياء بالطاعة؟

وبهذا يجد العبد حلاوة الإيمان، كما في «الصحيح» (٣) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان يحبُّ المرء لا يحبُّه إلَّا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار».

فعلَّق ذوق الإيمان بالرِّضا بالله ربًّا، وعلَّق وَجْد حلاوته بما هو موقوفٌ عليه ولا يتمُّ إلَّا به، وهو كونه سبحانه أحبَّ الأشياء إلى العبد هو ورسولُه.


(١) ع: «ثبتت له الرحى ودارت على ذلك القطب».
(٢) ش، ن: «تنتظم»، وعليه فيرتفع ما بعده.
(٣) للبخاري (٢١) ومسلم (٤٣) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>