للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أوجبوا الرِّضا به، واحتجُّوا بحججٍ، منها:

أنَّه إذا لم يكن راضيًا عن ربِّه فهو ساخطٌ عليه، إذ لا واسطة بين الرِّضا والسّخط، وسخط العبد على ربِّه منافٍ لرضاه به ربًّا.

قالوا: وأيضًا فعدم رضاه عنه يستلزم سوء ظنِّه به ومنازعته في اختياره لعبده، وأنَّ الرب تعالى يختار شيئًا ويرضاه فلا يختاره العبد ولا يرضى به، وهذا منافٍ للعبوديَّة.

قالوا: وفي بعض الآثار الإلهيَّة: «من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي، فليتَّخذ ربًّا سواي» (١).

ولا حجَّة في شيءٍ من ذلك.

أمَّا قولهم: إنَّه لا يتخلَّص من السخط على ربِّه إلا بالرِّضا عنه، إذ لا واسطة بين الرِّضا والسخط= فكلامٌ مدخول، لأنَّ السخط بالمقضيِّ لا يستلزم السخط على من قضاه، كما أنَّ كراهة المقضيِّ وبغضَه والنفرةَ عنه لا يستلزم تعلُّق ذلك بالذي قضاه وقدَّره. فالمقضيُّ قد يسخطه العبد وهو راضٍ عمَّن قدَّره وقضاه، بل يجتمع تسخُّطه والرِّضا بنفس القضاء، كما سيأتي.

وأمَّا قولكم إنَّه يستلزم سوء ظنِّ العبد بربِّه ومنازعته له في اختياره، فليس كذلك. بل هو حَسَن الظنِّ بربِّه في الحالتين، فإنَّه إنَّما يسخط المقدور وينازعه بمقدورٍ آخر، كما ينازع القدر الذي يكرهه ربُّه بالقدر الذي يحبُّه ويرضاه، فينازع قدر الله بقدر الله بالله ولله، كما يستعيذ برضاه من سخطه،


(١) هو حديث واهٍ بمرَّة، وقد سبق (ص ٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>