للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمعافاته من عقوبته، ويستعيذ به منه (١).

فأمّا كونه يختار لنفسه خلاف ما يختاره الرّبُّ، فهذا موضع تفصيلٍ، لا يسحب عليه ذيل النفي والإثبات، فاختيار الربِّ لعبده نوعان:

اختيارٌ دينيٌّ شرعيٌّ، فالواجب على العبد أن لا يختار في هذا النوع غير ما اختاره له سيِّده. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، فاختيار العبد خلاف ذلك منافٍ لإيمانه وتسليمه، ورضاه بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ رسولًا.

النوع الثاني: اختيارٌ كونيٌّ قدريٌّ لا يسخطه الربُّ، كالمصائب التي (٢) يبتلي عبده بها. فهذا لا يضرُّه فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه (٣) ويكشفها. وليس في ذلك منازعةٌ للرُّبوبية، وإن كان فيه منازعته (٤) للقدر بالقدر. فهذا تارةً يكون واجبًا، وتارةً يكون مستحبًّا، وتارةً يكون مباحًا مستويَ الطرفين، وتارةً يكون حرامًا، وتارةً يكون مكروهًا.

وأمَّا القَدَر الذي لا يحبُّه ولا يرضاه، مثل قدر المعائب والذُّنوب، فالعبد مأمورٌ بسخطه، ومنهيٌّ عن الرِّضا به (٥).


(١) يشير إلى دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك». أخرجه مسلم (٤٨٦)، وقد سبق أن ذكره المؤلف (١/ ٣٩٦) وشرحه.
(٢) في النسخ عدا ش، ع: «الذي».
(٣) زاد في ع: «ويدفعها».
(٤) في النسخ عدا الأصل، ل: «منازعة».
(٥) ع: «بسخطها ... الرضا بها».

<<  <  ج: ص:  >  >>