للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو التفصيل الواجب في الرِّضا بالقضاء.

وقد اضطرب الناس في ذلك اضطرابًا عظيمًا، ونجا منه أصحاب الفَرْق والتفصيل. فإنَّ لفظ الرِّضا بالقضاء لفظٌ محمودٌ مأمورٌ به، وهو من مقامات الصِّدِّيقين، فصار له حرمةٌ أوجبت لطائفةٍ قبوله من غير تفصيلٍ، وظنُّوا أنَّ كلَّ ما كان مقضيًّا للرب تعالى مخلوقًا له ينبغي الرِّضا به، ثمَّ انقسموا فرقتين:

فقالت فرقةٌ: إذا كان القضاء والرِّضا متلازمين، فمعلوم أنَّا مأمورون ببغض المعاصي والكفر والظُّلم، فلا تكون مقضيَّةً مقدَّرةً.

وفرقةٌ قالت: قد دلَّ العقل والشرع على أنَّها واقعةٌ بقضاء الله وقدره، فنحن نرضى بها.

والطائفتان منحرفتان، جائرتان عن قصد السبيل. أولئك أخرجوها عن قضاء الربِّ وقدره، وهؤلاء رضُوا بها ولم يسخطوها. هؤلاء (١) خالفوا الربَّ تعالى في رضاه وسخطه وخرجوا عن شرعه ودينه، وأولئك أنكروا تعلُّق (٢) قضائه وقدره بها.

واختلفت طرق أهل الإثبات للقدر والشرع في جواب الطائفتين.

فقالت طائفةٌ: لم يقم دليلٌ من الكتاب ولا السُّنّة ولا الإجماع على جواز الرِّضا بكلِّ قضاءٍ، فضلًا عن وجوبه واستحبابه، فأين أمَرَ الله عباده أو رسولُه أن يرضَوا بكلِّ ما قضاه الله وقدَّره؟


(١) ل، ش: «وهؤلاء».
(٢) ش: «نفاذ»، وأخشى أنه كان كذلك في الأصل ثم غُيِّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>