للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلَّقهما. وهذا كالدواء المتناهي في الكراهة إذا عَلِم متناوِله أنَّ فيه شفاءه، وقطع (١) العضو المُتأكِّل (٢) إذا علم أنَّ في قطعه بقاءَ جسده، وكقطع المسافة الشاقَّة جدًّا إذا علم أنَّها توصل (٣) إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظنِّ الغالب وإن خفيت عنه عاقبته وطويت عنه مغبَّته، فكيف بمن لا تخفى عليه العواقب؟ فهو سبحانه يكره الشيء ويبغضه في ذاته، ولا ينافي ذلك إرادته لغيره، وكونَه سببًا إلى أمرٍ هو أحبُّ إليه من فوته.

من ذلك: أنَّه سبحانه خلق إبليس الذي هو مادَّةٌ لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات. وهو سبب شقاوة العبيد وعملِهم بما يغضب الربَّ تبارك وتعالى. وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبُّه الله ويرضاه بكلِّ طريقٍ وبكلِّ حيلة. فهو مسخوط للربِّ مبغوض، لعنه الله ومقته وغضب عليه. ومع هذا فهو وسيلةٌ إلى محابَّ كثيرةٍ للربِّ تعالى ترتَّبت على خلقه، وجودُها أحبُّ إليه من عدمها.

منها: أن يظهر للعباد قدرة الربِّ تعالى على خلق المتضادَّات المتقابلات، فخلَقَ هذه الذات التي هي من أخبث الذوات وشرِّها، وهي سبب كلِّ شرٍّ، في مقابلة ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادّة كلِّ خيرٍ؛ فتبارك خالقُ هذا وهذا.


(١) ع: «وكقطع».
(٢) ضبطه في ع: «المتآكل»، وهي عامِّية.
(٣) ع: «توصله».

<<  <  ج: ص:  >  >>