للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويراغمَه ويسوءَه. وهذه عبوديَّة لا يتفطَّن لها إلا الأكياس.

ومنها: أن يتعبَّد له بالاستعاذة من عدوِّه، وسؤاله أن يجيره منه، ويعصمه من كيده وأذاه.

ومنها: أنَّ عبيده يشتدُّ خوفهم وحذرهم إذا رأوا ما حلَّ بعدوِّه بمخالفته وسقوطه من المرتبة الملكيَّة إلى المرتبة الشيطانيَّة، فلا يخلدون إلى غرور الأمن (١) بعد ذلك.

ومنها: أنَّهم ينالون ثواب مخالفته ومعاداته، الذي حصولُه مشروطٌ بالمعاداة والمخالفة، فأكثر عبادات القلوب والجوارح مرتَّبةٌ على مخالفته.

ومنها: أنَّ نفس اتِّخاذه عدوًّا من أكبر أنواع العبوديَّة وأجلِّها. قال تعالى: {(٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦]، فاتِّخاذه عدوًّا أنفع شيءٍ للعبد، وهو محبوبٌ للربِّ.

ومنها: أنَّ الطبيعة البشريَّة مشتملةٌ على الخير والشرِّ والطيِّب والخبيث، وذلك كامنٌ فيها كمون النار في الزِّناد، فخُلق الشيطان مستخرجًا ما في طبائع أهل الشرِّ من القوَّة إلى الفعل، وأُرسلت الرُّسل تستخرج ما في طبيعة أهل الخير من القوَّة إلى الفعل؛ فاستخرج أحكم الحاكمين ما في قوى هؤلاء من الخير الكامن فيها ليترتَّب (٢) عليه آثاره، وما في قوى أولئك من الشرِّ ليترتَّب


(١) ع: «الأمل»، خطأ.
(٢) ع: «ليرتِّب»، وسقط ما بعده إلى قوله: «في الفريقين»، فصار السياق: «ليرتّب وينفذ ... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>