للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه آثاره، وتظهر حكمته في الفريقين، وينفذ حكمه فيهما، ويظهر ما كان معلومًا له مطابقًا لعلمه السابق.

وهذا هو السؤال الذي سألته ملائكتُه حين قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، فظنَّت الملائكة أنَّ وجود من يسبِّح بحمده ويطيعه ويعبده أولى من وجود من يعصيه ويخالفه، فأجابهم سبحانه بأنَّه يعلم من الحكم والمصالح والغايات المحمودة في خلق هذا النوع ما لا تعلمه الملائكة.

ومنها: أنَّ ظهور كثيرٍ من آياته وعجائب صنعه حصل بسبب وقوع الكفر والشر (١) من النُّفوس الكافرة الظالمة، كآية الطُّوفان، وآية الرِّيح، وآية إهلاك ثمودَ وقومِ لوطٍ، وآية انقلاب النار على إبراهيم بردًا وسلامًا، والآيات التي أجراها الله على يد موسى، وغير ذلك من آياته التي يقول سبحانه عقيب ذكر كلِّ آيةٍ منها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهْوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء] (٢). فلولا كفر الكافرين وعناد الجاحدين لَما ظهرت هذه الآيات الباهرة التي يُتحدَّث بها (٣) جيلًا بعد جيلٍ إلى الأبد.

ومنها: أنَّ خلق الأسباب المتقابلة التي يقهر بعضها بعضًا، ويكسر بعضها بعضًا= هو من شأن كمال الرُّبوبيَّة والقدرة النافذة، والحكمة التامَّة، والملك الكامل. وإن كان شأن الرُّبوبيَّة كاملًا في نفسه ولو لم تُخلَق هذه


(١) ع: «والشرك».
(٢) تكررت الآيتان في ثمانية مواضع في السورة.
(٣) ع: «يَتحدَّث بها الناس».

<<  <  ج: ص:  >  >>