قلت: هو من هذه الجهة ليس بشرٍّ، فإنَّ وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشرٍّ. والشرُّ الذي فيه: مِن عدم إمداده بالخير وأسبابه، والعدمُ ليس بشيءٍ حتَّى يُنسب إلى من بيده الخير.
فإن أردت مزيد إيضاحٍ لذلك، فاعلم أنَّ أسباب الخير ثلاثة: الإيجاد، والإعداد، والإمداد. فهذه هي الخيرات وأسبابها. فإيجاد هذا السبب خير، وهو إلى الله. وإعداده خير، وهو إليه أيضًا. وإمداده خير، وهو إليه. فإذا لم يُحدِث فيه إعدادًا ولا إمدادًا حصل فيه الشرُّ بسبب هذا العدم الذي ليس إلى الفاعل، وإنَّما إليه ضدُّه.
فإن قلت: فهلَّا أمدَّه إذ أوجده؟
قلت: ما اقتضت الحكمة إيجادَه وإمدادَه، فإنَّه ــ سبحانه ــ يوجد ويمدُّه. وما اقتضت الحكمة إيجادَه وتركَ إمداده، أوجده بحكمته ولم يُمدَّه بحكمته. فإيجاده خير، والشرُّ وقع من عدم إمداده.
فإن قلت: فهلَّا أمدَّ الموجوداتِ كلَّها؟
فهذا سؤال فاسد، يظنُّ مُورِده أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة. وهذا عين الجهل، بل الحكمة كلُّ الحكمة في هذا التفاوت العظيم الواقع بينها. وليس في خلق كلِّ نوعٍ منها تفاوتٌ، فكلُّ نوعٍ منها ليس في خلقه من تفاوتٍ. والتفاوتُ إنّما وقع بأمورٍ عدميَّةٍ لم يتعلَّق بها الخلق، وإلَّا فليس في الخلق من تفاوتٍ. فإن اعتاص ذلك عليك ولم تفهمه حقَّ الفهم، فراجع