للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولَ القائل (١):

إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع

كما ذُكر أنَّ الأصمعي اجتمع بالخليل وحرص على فهم العروض، فأعياه ذلك، فقال له الخليل يومًا: قطِّع لي هذا البيت، وأنشده: إذا لم تستطع ... البيت، ففهم ما أراده، فأمسك عنه ولم يشتغل به (٢).

وسرُّ المسألة: أن الرِّضا بالله يستلزم الرِّضا بصفاته وأفعاله وأسمائه وأحكامه، ولا يستلزم الرِّضا بمفعولاته كلِّها. بل حقيقة العبوديَّة أن يوافقه عبده في رضاه وسخطه، فيرضى منها بما رضي به ويسخط منها ما سخطه.

فإن قيل: هو سبحانه يرضى عقوبة من يستحقُّ العقوبة، فكيف يمكن العبد أن يرضى بعقوبته له؟

قيل: لو وافقه في رضاه بعقوبته لانقلبت لذَّةً وسرورًا، ولكن لا يقع منه ذلك. فإنَّه لم يوافقه في محبَّةِ طاعته (٣) التي هي سرور النفس وقرَّة العين وحياة القلب، فكيف يوافقه في محبَّة العقوبة التي هي أكره شيءٍ إليه وأشقُّ شيءٍ (٤) عليه؟! بل كان كارهًا لِما يحبُّه من طاعته وتوحيده، فلا يكون راضيًا


(١) هو عمرو بن معديكرب، كما في «الأصمعيَّات» (رقم ٦١) و «الزهرة» (ص ٨٠٥) و «الأغاني» (١٥/ ٢٠٧، ٢٢٥، ٢٣٦).
(٢) انظر: «نزهة الألباء» (ص ٩٢). والقصة بنحوها في «التذكرة الحمدونية» (٨/ ٣١٢) و «محاضرات الأدباء» للراغب (١/ ٦٧)، ولكن فيها «يونس» ــ وهو ابن حبيب الضبي ــ مكان «الأصمعي».
(٣) ع، والمطبوعات: «محبته وطاعته»، خطأ يفسد المراد.
(٤) ع: «وأشقُّه».

<<  <  ج: ص:  >  >>