بما يختاره من عقوبته، ولو فعل ذلك لارتفعت عنه العقوبة.
فإن قلت: فكيف يجتمع الرِّضا بالقضاء الذي يكرهه العبد من المرض والفقر والألم مع كراهيته؟
قلت: لا تنافي في ذلك، فإنَّه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يحبُّ، ويكرهه من جهة تألُّمه به، كالدواء الكريه الذي يعلم أنَّ فيه شفاءه، فإنَّه يجتمع فيه رضاه (١) وكراهته له.
فإن قلت: كيف يرضى لعبده شيئًا ولا يعينه عليه؟
قلت: لأنَّ إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوبٍ له أعظمَ مِن حصول تلك الطاعة التي رضيها له. وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمَّن مفسدةً هي أكره إليه سبحانه من محبَّته لتلك الطاعة، بحيث يكون وقوعها منه مستلزمًا لمفسدةٍ راجحةٍ ومفوِّتًا لمصلحةٍ راجحةٍ.
وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: ٤٦ - ٤٧]. فأخبر سبحانه أنَّه كره انبعاثهم مع رسوله للغزو، وهو طاعة وقربة، وقد أمرهم به، فلمَّا كرهه منهم ثبَّطهم عنه. ثمَّ ذكر سبحانه بعض المفاسد التي كانت تترتَّب على خروجهم مع رسوله، فقال:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} أي: فسادًا وشرًّا، {وَلَأَوْضَعُوا