خِلَالَكُمْ} أي: سعوا فيما بينكم بالفساد والشرِّ {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: قابلون منهم مستجيبون لهم، فيتولَّد من بين سعي هؤلاء بالفساد وقبول أولئك (١) من الشرِّ ما هو أعظم من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أنْ منعهم من الخروج وأقعدهم عنه.
فاجعل هذا المثال أصلًا لهذا الباب وقِس عليه.
فإن قلت: قد تصوَّر لي هذا في رضا الربِّ تعالى لبعض ما يخلقه من وجهٍ وكراهته من وجهٍ، فكيف لي بأن يجتمع الأمران في حقِّي بالنسبة إلى المعاصي والفسوق؟
قلت: هو متصوَّرٌ ممكن، بل واقع، فإنَّ العبد يسخط ذلك ويبغضه ويكرهه من حيث هو فعلٌ له واقعٌ بكسبه وإرادته واختياره، ويرضى بعلم الله وكتابته ومشيئته وإذنه الكونيِّ، فيرضى بما مِن الله ويسخط ما هو منه. فهذا مسلك طائفةٍ من أهل العرفان.
وطائفةٌ أخرى رأوا كراهة ذلك مطلقًا وعدمَ الرِّضا به من كلِّ وجهٍ. وهؤلاء في الحقيقة لا يخالفون أولئك، فإنَّ العبد إذا كرهها مطلقًا، فإنَّ الكراهة إنَّما تقع على الاعتبار المكروه منها. وهؤلاء لم يكرهوا علم الربِّ وكتابته ومشيئته وإلزامه وحكمه الكوني، وأولئك لم يرضوا بها من الوجه الذي سخطها الربُّ وأبغضها لأجله.
وسرُّ المسألة: أنَّ الذي إلى الربِّ منها غير مكروه، والذي إلى العبد منها هو المكروه المسخوط.