للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: ليس إلى العبد شيءٌ منها؟

قلت: هذا هو الجبر الباطل الذي لا يمكن صاحبَه التخلُّصُ من هذا المقام الضيِّق. والقدريُّ أقرب إلى التخلُّص منه من الجبريِّ. وأهل السُّنَّة المتوسِّطون بين القدريَّة والجبريَّة هم أسعد بالتخلُّص منه من الفريقين.

فإن قلت: كيف يتأتَّى الندم والتوبة مع شهود الحكمة في التقدير، ومع شهود القيُّوميَّة والمشيئة النافذة؟

قلت: هذا هو الذي أوقع من عميت بصيرتُه في شهود الأمر على خلاف ما هو عليه، فرأى تلك الأفعال طاعاتٍ لموافقته فيها المشيئةَ والقدر، وقال: إن عصيتُ أمره فقد أطعت إرادته! وفي ذلك قيل (١):

أصبحتُ منفعلًا لما يختاره ... منِّي، ففعلي كلُّه طاعاتُ

وهؤلاء أعمى الخلقِ بصائرَ، وأجهلُهم بالله وأحكامه الدينية والكونيَّة، فإنَّ الطاعة هي موافقة الأمر، لا موافقة القدر والمشيئة. ولو كانت موافقة القدر طاعةً لله لكان إبليس من أعظم المطيعين له، ولكان قوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ، وقومُ لوطٍ وقومُ فرعون كلُّهم مطيعين له، فيكون قد عذَّبهم أشدَّ العذاب على طاعته، وانتقم منهم لأجلها. وهذا غاية الجهل بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.

فإن قلت: ومع ذلك، فاجمع لي بين الندم والتوبة، وبين مشهد القيُّوميَّة والحكمة؟


(١) تقدَّم في (١/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>