للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: العبد إذا شهد عجز نفسه، ونفوذ الأقدار فيه، وكمال فقره إلى ربِّه، وعدم استغنائه عن عصمته وحفظه طرفة عينٍ= كان بالله في هذه الحال، لا بنفسه، فوقوع الذنب منه لا يتأتَّى في هذه الحال البتَّة، فإنَّ عليه حصنًا حصينًا من «فبي يسمع، وبي يُبصر، وبي يَبطش، وبي يمشي» (١)، فلا يُتصوَّر منه الذنب في هذه الحال.

فإذا حُجب عن هذا المشهد، وسقط إلى وجوده الطبيعي، وبقي بنفسه= استولى عليه حكم النفس والطبع والهوى. وهذا الوجود الطَّبَعيُّ قد نصبت فيه الشِّباك والأشراك، وأرسلت عليه الصيَّادون، فلا بدَّ أن يقع في شبكةٍ من تلك الشِّباك (٢). وهذا الوجود هو حجابٌ بينه وبين ربِّه، فيقع الحجاب، ويقوى المُقتضي، ويضعف المانع، وتشتدُّ الظُّلمة، ويعصف الهوى (٣)؛ فأنَّى له بالخلاص من تلك الأشراك (٤)؟ فإذا انقشع عنك ضباب ذلك الوجود الطَّبَعي، وانجاب ظَلامُه، وزال قَتامه، وصرت بربِّك ذاهبًا عن نفسك وطبعك=

بدا لك سرٌّ طال عنك اكتتامه ... ولاح صباحٌ كنتَ أنت ظلامُهُ

فأنت حجاب القلب عن سرِّ غيبه ... ولولاك لم يُطبَع عليه ختامُهُ

فإن غبت عنه حلَّ فيه، وطنَّبت ... على منكب الكشف المصون خيامُهُ

وجاء حديثٌ لا يُمَلُّ سماعه ... شهيٌّ إلينا نثره ونظامُهُ


(١) سبق تخريجه والكلام عليه (١/ ٤٠٨).
(٢) زاد في ع: «أو شركة من تلك الأشراك».
(٣) ج، ن، ع، والنسخ المطبوعة «تضعف القوى»، تصحيف.
(٤) زاد في ع: «والشباك».

<<  <  ج: ص:  >  >>