للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس عشر: أنَّ الرِّضا يُنزل عليه السكينة التي لا أنفع له منها. ومتى نزلت عليه السكينة استقام، وصلحت أحوالُه، وصلح باله. والسخط يُبعده منها بحسب قِلَّته وكثرته. وإذا ترحَّلت عنه السكينة ترحَّل عنه السُّرور والأمن والدَّعة والراحة وطيب العيش. فمِن أعظم نعم الله على عبده تنزيلُ السكينة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عنه في جميع الحالات.

السابع عشر: أنّ الرِّضا يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغشِّ والدَّغل والغلِّ. ولا ينجو من عذاب الله إلَّا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ. وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرِّضا. وكلَّما كان أشدَّ رضًا كان قلبه أسلم. فالخبث والدغل والغشُّ قرين السخط. وسلامةُ القلب وبرُّه ونصحه قرين الرِّضا. وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامةُ القلب منه من ثمرات الرِّضا.

الثامن عشر: أن السخط يوجب تلوُّن العبد وعدمَ ثباته مع الله، فإنَّه لا يرضى إلَّا بما يلائم (١) طبعه ونفسه. والمقادير تجري دائمًا بما يلائمه وبما لا يلائمه. وكلَّما جرى عليه منها ما لا يلائمه سخطه، فلا يثبت له على العبوديَّة قدم. فإذا رضي عن ربِّه في جميع الحالات استقرَّت قدمُه في مقام العبودية. فلا يزيل التلوُّن عن العبد شيءٌ مثل الرِّضا.

التاسع عشر: أنَّ السخط يفتح عليه باب الشكِّ في الله وقضائه وقدره وحكمته وعلمه، فقلَّ أن سَلِم الساخط من شكٍّ يُداخل قلبه ويتغلغل فيه، وإن كان لا يشعر به. فلو فتَّش غاية التفتيش لوجد يقينه معلولًا مدخولًا، فإنَّ


(١) ش: «لا يرضى بما لا يُلائم».

<<  <  ج: ص:  >  >>