للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظاهر. وأمَّا عدم فرحه بما آتاه، فلأنَّه يعلم أنَّ المصيبة فيه مكتوبةٌ من قبل حصوله، فكيف يفرح بشيءٍ يعلم أنَّ له فيه مصيبةً منتظرةً (١) ولا بدَّ؟

الثاني والعشرون: أنَّ من ملأ قلبه من الرِّضا بالقدر، ملأ الله صدره غنًى وأمنًا وقناعةً، وفرَّغ قلبه لمحبَّته، والإنابة إليه، والتوكُّل عليه. ومن فاته حظُّه من الرِّضا، امتلأ قلبه بضدِّ ذلك، واشتغل عمَّا فيه سعادته وفلاحه. فالرِّضا يفرِّغ القلب لله، والسخط يفرِّغ القلب من الله.

الثالث والعشرون: أنَّ الرِّضا يثمر الشُّكر، الذي هو من أعلى مقامات الإيمان، بل هو حقيقة الإيمان. والسخط يثمر ضدَّه، وهو كفر النِّعم. وربَّما أثمر له كفر المُنعِم. فإذا رضي عن ربِّه في جميع الحالات، أوجب له ذلك شكرَه، فيكون من الراضين الشاكرين. وإذا فاته الرِّضا كان من الساخطين، وسلك سبيل الكافرين.

الرابع والعشرون: أنَّ الرِّضا ينفي عنه آفات الحرص والكَلَب على الدُّنيا، وذلك رأس كلِّ خطيئة، وأصلُ كلِّ بليَّة، وأساسُ كلِّ رزيّة؛ فرضاه عن ربِّه في جميع الحالات ينفي عنه (٢) هذه الآفات.

الخامس والعشرون: أنَّ الشّيطان إنَّما يظفر بالإنسان غالبًا عند السخط والشهوة، فهناك يصطاده. ولا سيَّما إذا استحكم سخطه، فإنَّه يقول ما لا يرضي الربَّ، ويفعل ما لا يرضيه، وينوي ما لا يرضيه. ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عند موت ابنه إبراهيم: «يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول إلا ما يُرضي


(١) ع: «تنتظره».
(٢) في ع زيادة: «مادَّة».

<<  <  ج: ص:  >  >>